روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | الأبنــاء والخصـــومات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > الأبنــاء والخصـــومات


  الأبنــاء والخصـــومات
     عدد مرات المشاهدة: 2158        عدد مرات الإرسال: 0


بسم الله الرحمن الرحيم

الحارة التي أسكنها منذ تزوجت لا تختلف عن غيرها من الحارات، أفرادا ترغب في رؤيتهم وآخرين تتمنى لهم الخير لكن بعيدا عن ناظريك، والأخيرين كانوا سببا كافيا طيلة السنوات الماضية وحتى أن يشاء الله لأن أجنب أبنائي الإختلاط بهم أو الحديث معهم، هذا الحرص من جانبي رأى فيه بعض الجيران مبالغة لا داعي لها، وفسره البعض الآخر بتشدد وتعقيد مس شخصي في الصميم!!! ولم أكن لأبالي بالإنتقادات والملاحظات التي كانت تطرق مسامعي أو تصلني عبر وسائط كان بعضها من أبنائي أنفسهم الذين كانوا كثيرا ما يألمون ويشعرون بالخنق إذا ما قارنوا أوضاعهم بأوضاع أبناء الجيران المنفتحين على الشارع بلا حدود، كان من الصعب حينذاك على كل منا -الجيران وأنا- أن يغير أحدنا قناعاته، وفي ظل ذلك كان مفهوما أن يتقبل كل طرف أخطاء أبناء الطرف الآخر بما يعزز صواب إتجاهه في التعامل مع أبناءه طالما أن تلك الأخطاء بعيدة عنه!!! وكان ذلك كافيا لإثارة المزيد من الضغوط وتصعيد المواقف، وتصوروا حينئذ حياة الأسرة في ظل هذا الوضع المتوتر المليء بالشحن النفسي والتشفي حيث تولد الخصومات بإستمرار مع قابلية يزيد سعارها خليط من البشر ذوي إتجاهات وعادات وانتماءات، تداخلات وتقاطعات ليست سوى إنعكاس لوجود الأبناء في ساحتنا، لقد بات مثيري الشغب هؤلاء، المادة التي تدور حولها حكاياتنا وصراعاتنا صبح ومساء، يظل معظم الكبار سواكن، فإذا رزقوا الأبناء تحرك الماء الساكن، يتحرر الأبناء شئنا أم أبينا من نظمنا وخطوطنا، لكنهم لا يبعدون عن أن يكونوا في النهاية صورة طبق الأصل منا، لأنهم يرون العالم والأشخاص من خلالنا.

أعرف رجلا حصل بينه وبين أخيه خلاف مالي يدعي أنه ظلم فيه، ومع أنه رفض الذهاب للقضاء من أجل الفصل بينهما بدعوى الستر وعدم الفضيحة إلا أنه كان كثيرا ما يرد على ابنه إذا طلب منه مالا بقوله: أموالي خذاها عمكم!!! فنشأ الابن على كراهية عمه وإحتقاره وبغضه والكيد لأولاده، وسمعته مرة يشتم عمه شتما مقذعا فلما نهيته ما زاد على قول أبيه حرفا!!! أرأيتم كيف يربى الأبناء على الخصومة منذ الصغر!!؟؟ وعلى شاكلة هذا الطراز اتصلت الجارة لتشكو لزوجي إبننا المصون الذي تسبب في تأخير إبنها عن العودة للمنزل بعد الخروج من المدرسة بسبب مرورهما على محل لبيع البطاطس المقلية!!! رد الزوجة لم يعجب الجارة فإنقلبت الجرة وإنقطعت العلاقة.... ومن الغريب أن ابنها إذا رأى ابني في الطريق سلك فجا غير فجه، وكأنما هو الشيطان إذا رأى عمر!!؟؟ وقد رأيت في خلق ابني نفرة من صاحبه، فأمليت عليه من صحيح الترغيب والترهيب للعلامة الألباني ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل الهجرة فوق ثلاثة أيام، فإن التقيا فسلم أحدهما فرد الآخر إشتركا في الأجر، وإن لم يرد برئ هذا من الإثم » واحسبه قال: «وإن ماتا وهما متهاجران لا يجتمعان في الجنة». وددت بعده لو أن جارتنا كفتنا مؤونة الحسبة فقد إتخمتنا بالهجران التام بعد النعيم المفرط..... وهكذا هو ديدن الكثير من الناس إذا أحبوا أحبوا بعمق وإذا أبغضوا أبغضوا بعمق!!! على أن توافه الأبناء كانت هفوات الآباء، سقطات غابت عنها الفطنة بسبب ضعف الوازع الديني والجهل بسنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم فأورث ذلك الأمية التربوية التي غطت سماء حياتنا الأسرية، فلا نعجب والحال كذلك إذا إستشرت الخصومة وقد كانت مذهب ابن آدم الأول، خاصم أخاه فقتله!!!!؟؟ مضيت التمس في درب الخصومات أوجاعي، فرأيت لافتات كتب على بعضها: منتب رجال ..... كان كسرت خشمه.... مرة ثانية خذ حقك بيدك...... لا تتركه حتى توريه شغله، وتذكرت عندئذ كيف أن أخي هداه الله ربى إبنه الكبير وفق اللافتات السابقة، وذات مرة تحول لثور هائج كاد يعصف بحياة أحد زملاء الدراسة، وبالأمس القريب زاد الطين بله فكسر بعض الأبواب وأدمى زميلا آخرا له، فإتصلوا بي شفقة عليه من والده حتى لا يؤذيه!!!! وأمثاله كثر في المدارس، لهم في كل صاعقة صوت وفي كل هزة رجفة وفي كل حضور نازلة.

الناس كلما بعدوا عن مشكاة النبوة توحشوا، وإذا توحشوا فسدت أحوالهم وإضطربت أوضاعهم وزاد هيجانهم، فضاع دينهم، روى أبو الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟» قالوا: بلى. قال: «صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة».

تجر الخصومات معها قطار المصائب، عربة تتبع الزلات والبحث عن العورات، عربة السخرية والاستهزاء، عربة التشويه والتلطيخ، عربة التحريش والتحريض والتلفيق، عربة الغيبة والنميمة، عربة الإنتقام والتشفي، عربة التحطيم، محظور على ركابها الدخول في الجنة، روى الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أنبئكم بما يثبت ذاكم لكم: أفشوا السلام بينكم». سألني أحد أبنائي ذات يوم عن إحدى القبائل هل آذت النبي صلى الله عليه وسلم وقاتلته!!؟؟ لم يعجبني السؤال لعلمي بأن بعض زملائه في المدرسة بينه وبينهم كرات وفرات فهل يريد أن يفعل كما فعل ابني الجموح رضي الله عنهما بأبي جهل لما بلغهما أذيته للنبي صلى الله عليه وسـلم!!!! الخصومات التي تؤصل بشواهد الماضي مصيبة، فما منا إلا وله شاهد لن يسره!! فإذا تم التأصيل سيقت المبررات وإستقرت القناعات ونام الشيطان على وميض الرماد كما نام شاس بن قيس اليهودي بعد أن دفع أحد شياطينه ليثير نعرات الجاهلية بين الأوس والخزرج والرسول صلى الله عليه وسلم مقيم بينهم ينادي «الله الله وأنا بين أظهركم!!!» هيأ ابن اليهودية أسباب الخصومة فوجدت لها أرضا كادت تستعر إضطراما لولا أن أكرم الخلق صلى الله عليه وسلم أطفأها في حينه.

بدأت أفهم حديثا رواه الطبراني في الأوسط والصغير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملكا ينادي عند كل صلاة يا بني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفئوها». كم من نيران أوقدناها ولم نطفئها بعد!!!؟؟؟؟

أكثروا من الاستغفار

الكاتب: د / محمد بن صقر الدوسري.

المصدر: موقع صيد الفوائد.